في الطريق الى عمق الصحراء حيث ليصبح الشجر مثل ظلال باهتة في بحار الرمل اللامتناهية شعرت ان مرافقي بدأت تعتريه موجة من الخوف كلما توغلنا وسط الكثبان الرملية وزاد خوفه فيما حل المساء وبدت لنا ملامح قرية صغيرة مهجورة أسفل الوادي الجاف - عندها بدأ «صاحبي» يروي ما يتناقله السكان من ان تلك القرية التي لاتتجاوز بيوتها العشرة «مسكونة» بالجن وان سكان القرى المجاورة يسمعون في الليل اصواتا مبهمة وصراخا يشبه دمدمة الطبول،صراخا تغذيه وشوشات جريد النخل مما يزيد الرعب في قلوب العابرين او سكان الجوار.
لان الطريق طويل والصحراء لاتعرف «المجاملة» والترحيب بالضيوف فقد تجاهلت ما قاله مرافقي عن الجن وعبرت بالسيارة بجوار القرية التي يدعي البعض انها مسكونة وان ثمة اضواء خافته تظهر ليلا بين «فرجات» النخيل.. مما جعل اهلها يهربون منها.
صفير الريح
لم يكن بالقرية ما ينبئ انها مسكونة سوى ان صوت الريح كان حادا ومشوشا وهو يعبر فوق هامات النخيل.
هذه القرية ليست الوحيدة التي يدعي البعض انها مسكن للجن وانما هناك بيوت في بعض المدن تؤكد الذاكرة الجمعية للاهالي انها مرتع للجن - يغذي مثل هذه الاساطير الموحشة التي تغلف البيوت المهجورة في القرى والمدن.
بيوت موحشة
في جدة يشير بعض الاهالي الى ان ثمة بيوتا في احياء العزيزية مسكونة بالجن هي منذ عدة عقود لم يتم استئجارها او السكن فيها والشيء الغريب ان خيالات الاهالي تصنع من «الترهات» حكايات تتمدد وتخيف ومن ثم تصبح بالنسبة للبعض في حكم الواقع لدرجة ان البعض لايجرؤ للاقتراب من البيوت المهجورة حيث ان الخيال يغذي مثل هذه الخرافات عن المواقع المسكونة بالجن وتصبح بمرور الايام بمثابة سيناريوهات تثير الرعب والخوف.
من المنطقة الشرقية والى بيشة والخرج وعبورا بعروس البحر الأحمر جدة هناك حكايات كثيرة عن البيوت المسكونة.
ففي الثقبة بمدينة الخبر هناك عدة منازل متفرقة يشيع الاهالي انها مسكونة بالجن وحينما تحاول الاقتراب منها في الامسيات تجد من يحذرك بالابتعاد عن هذه البيوت حتى لايؤذيك الجن - تقف في احد الشوارع بالثقبة وتحاول الاستدلال على منزل يقال انه مسكون وتجد من يدلك عليه وقال بعض سكان الجوار ان المنزل مهجور منذ سنوات طويلة حيث انتقل اهله الى مدينة اخرى مما ادى الى ان ينسج البعض حوله الخرافات والاقاويل انه اصبح مسكنا للجن لذا فإن اهله قاموا بتركه والانتقال الى مكان اخر.
مجمع تجاري مسكون
وفي الخبر ايضا يوجد مجمع تجاري يشتكي بعض موظفي الأمن من سماعهم لاصوات غريبة وثمة ركض وحركة وهرولة بالاقدام في المساء وعندما يحاولون اكتشاف ما يحدث لايجدون شيئا سوى الصمت المطبق وقال موظف أمن يدعى أحمد. انه سبق ان سمع اصوات الدمدمات وحركة الاقدام في جزء من المركز التجاري مما ادى الى هروب الكثيرين من موظفي الأمن العاملين بالمركز وتركهم للعمل بشركة الحراسة.
وفي موقع اخر هناك منزل في حي الدوحة بالظهران لم يكمل صاحبه ترميمه لاعتقاده انه مسكون.
قرع الطبول
وثمة أسرة سعودية في احد الاحياء بالمنطقة الشرقية تزعم ان بيتهم مسكون وان الجن يشاركونهم في السكن حيث يسمعون في احيان كثيرة قرع الطبول. وتصدر اصوات غريبة مبهمة مما جعل الأسرة تغادر المنزل الى غير رجعه.
يقول صاحب المنزل الذي يقع على مساحة كبيرة والمصمم بطريقة فريدة انه منذ ان سكن المنزل يسمع اصواتا غريبة وان زوجته كثيرا ما تشعر ان ثمة شخصاً يوقظها من النوم.
ولما استمر هذا المسلسل قرر الارتحال الى مكان اخر.
اصوات مخيفة
وفي بيشة قال يحيى عون احد المجاورين لمنزل طيني مهجور ان البيوت غير المأهولة تدخل في نفس الانسان الخوف والرعب.
واضاف ان البعض يشير الى ان المنزل المهجور تسمع من ردهاته اصوات مخيفة في آخر الليل.
ونفس الكلام ذكرته ام منصور والتي اوضحت انها تقيم بجوار مسكن مهجور وعادة ما تسمع في الليل اصواتا غريبة ومخيفة تصدر من المسكن المهجور وتحرمنا النوم.
وقال الشاب ف.العامري انه وبعض اصدقائه كانوا يستقلون سيارة في احدى القرى المهجورة وفجأة سمعوا صوتا مخيفا كاد يذيب جماجمهم من الخوف وبدأوا بقراءة الاذكار فتبدد الخوف من قلوبهم غير ان ن.العسيري تروي حكاية اغرب من الخيال عن مشاهدتها هي وزميلاتها عندما كانت طالبة في المرحلة الابتدائية لشبح في ثوب ابيض يجلس على درج المدرسة مما اصابهن بالخوف واذا كان البعض يعتقدون ان هناك قرى مهجورة مسكونة وبيوتا في بعض المدن تصدر منها اصوات في الليل فماذا يقول اهل الرأي عن هذا الموضوع.
مجرد رؤى
الشيخ خالد السبيعي أحد الرقاة في المنطقة الشرقية قال ان ما يذكره البعض عن مثل هذه الاقايل هو مجرد رؤى ولكن لا انفي ان هناك بعض البيوت مسكونة لذا قررت مع بعض الاخوان اطلاق مشروع «في كل بيت راقٍ» مشيرا الى ان هذا المشروع هدفه عظيم الفائدة والنفع للناس وهو تعميق التوحيد في القلوب وجعلها تعتمد على التوكل على الله.
واضاف ان مشروع في كل بيت راقٍ بدأ قبل خمس سنوات تقريبا واستفاد منه عدد كبير من المرضى.
وفي ذات السياق قال الباحث في التربية ا لاسلامية ابراهيم الخلف ان الشيطان وذريته مشاركون للانس في مكان السكن وهي الارض ومن اسلم منهم فإن طعامه مختلف عن الشياطين غير المسلمين.
وتابع قائلاً: ان هناك بعضاً من الجن يحلون ويظعنون.. «يقيمون ويرحلون».. وهؤلاء يسكنون المدن والبيوت الخربة والصحارى والشياطين منهم يسكنون الاماكن النجسة مثل الحمامات ومعاطن الابل.
وتابع قائلاً: ان الانسان عندما يعبر بالخرابات والفلوات فإنه يشعر بقشعريرة في جسده وهذا شيء مجرب ومحسوس.
وتواصلا مع الاراء السابقة قال الاخصائي النفسي منصور محمد النفيعي من مستشفى الصحة النفسية بالطائف: ان الناس ينظرون الى البيوت المهجورة على انها مكان لسكن الجن وهذا يأتي بسبب حديث الاخرين عنها.
وكل هذه الاشياء من الخيال حيث ان البيوت المهجورة تكون موحشة ومخيفة وذلك عندما يقوم الشخص بالدخول اليها يشعر بالقشعريرة في كامل جسمه ويظهر الخوف عليه وذلك من خلال استرجاع الشريط الذي يقوله الناس عن أخبار الجن وأحوالهم فيزداد الخوف الذي يعتريه ويختزنه في ذاكرته وفي مثل هذه الاماكن يعتقد البعض ان صفير الريح هي بمثابة اصوات ودمدمات للجن وعلى الانسان أن يذكر اسم الله عندما يدخل الى هذه المواقع، وان تكون ثقته بالله ثم بنفسه كبيرة لتجاوز مثل هذه المخاوف والخرافات.
وفي ذات السياق قال استشاري الامراض الباطنة الدكتور محمدد عمر انه كطبيب لايتعامل مع اية طرق غير تقليدية والمقصود بها التي لم تدرس في كليات الطلب.
مشيرا الى انه يجزم ان هذا الرأي هو رأي كافة زملائه الاطباء.
وتابع ان اقوال المريض دائما تؤخذ بعين الاعتبار سواء كان يشتكي من اشياء خرافية او حقيقية.
واستطرد قائلاً: ان الاشياء الخرافية التي يدعيها البعض انما هي وصف لاحاسيس يشعر بها الانسان وعلى الطبيب ان يتلمسها حتى يتوصل الى التشخيص الحقيقي لعلة المريض.
واضاف ان الرقية شيء مشروع ووردت في القرآن والاحاديث النبوية الشريفة لكن أن تكون هي كل شيء في علاج المريض فإن ذلك أمر غير معقول والرسول صلى الله عليه وسلم قال «تداووا» وقال «لكل داء دواء».