في يومي الخميس و الجمعة كنت في إحدى المقابر وبينما يوراى الفقيد الثرى كان الناس كلٌ في همه و مظاهر التأثر بالمكان و رهبته زالت من الكثير إلاّ من رحم ربي فهذا يتكلم مع صديقه عن الدوام و مشاكله و آخر يتحدث عن زواج فلان و علاّن و ثالث يستقبل اتصالات من صديقةٍ تعرف عليها و رابع يطلب من صديقه برنامج للحاسب مشغّل لأغاني MP3 و خامس يستقبل بعض أصدقاءه الذين التقى بهم في المقبرة صدفةً بأقذع السبُاب والشاتم و كله في المقبرة و عند دخولهم لاتسمع صوتاً لدعاء دخول المقابر قد يقول قائل ربما قاله سراً أقول له لا و ألف لا فهو يدخل المقبرة مع صديقه ويكونون يتسامرون في الطريق إلى المقبرة !!.
بعد إنتهاء الدفن طلب أحد الحاضرين من الحضور أن يدعو للأموات بالرحمة والمغفرة والتثبيت عند السؤال ثلّة قليلة ذهبت للدعاء للأموات و أما البقية فسارعوا بتقديم العزاء و من ثمَّ تدافعوا ليشربوا من الماء الزلال و نسوا أن مصيرهم إلى زوال فتأثرهم لم يدم طويلاً فمشاعرهم أصبحت شبه متبلدة و أصابتهم الغفلة وفي هؤلاء قال الشاعر:
تروعنا الجنائز مقبلات **** و نلهو حين تذهب مدبرات
كروعة هجمةٍ لمغار ذئبٍ **** فلما غاب عادت رائعات
بالله عليك لو كان هذا الذي انشغل بالحياة الدنيا تحت التراب هل سيسره أن يذهب الناس عنه بهذه الطريقة و أن يفترق عنه الأحبة فور موارتهم لثراه .
أما من تحت الثرى فلسان حاله يقول لمن في الدنيا
سلامٌ على أهل القبـور الـدوارس **** كـأنهـم لـم يجـلسوا في الـمجـالس
و لم يشربوا من بارد الماء شُــربةً **** ولــم يـأكلـوا مـا بـين رَطـب و يـابسِ
فقد جاءني الموت المهول بسكرةٍ **** فـلم تُغـنِ عـنــي ألـف آلاف فـــارسِ
فـيا زائر القـبر اتـعـظ و اعتـبـر بـنــا **** و لا تــكُ فــي الــدنـيـا هُديـت بآيسِ
سلامٌ عـلى الدنيا و طيب نعيمها **** كـأن لـم يــكن يــعقوب فيها بجالسِ
ولهذا فتزود يا ابن آدم قبل أن تروح الروح و كن مستعداً لريب المنون
فـكـن مـسـتـعـداً لـريـب المنون **** فـإن الــذي هــــــو آت قــريــب
و قبلك داوى المريـض الـطبـيـب **** فعاش المريض و مات الطبيب
وقال آخر :
ولـدتـك أمــك يـا ابــن آدم بــاكـياً **** و النـاس حـولـك يضـحكون سُروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا **** فـي يـوم مـوتـك ضاحـكاً مـسروراً
قال تعالى ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )