الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه أجمعين . أما بعد :
لا شك ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم لم يخلقنا في هذه الدنيا عبثا، كيف وهو القائل (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). إن الله جل وعلا خلقنا لغاية عظيمة بيّنها في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (إلا ليوحدون) وقد أجمع الأنبياء على كلمة واحدة فقالوا : يا قوم أعبدوا الله مالكم من إله غيره .
أتدرون ما العبادة إنها توحيد الله جل وعلا أي أفراده بالدعاء والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والطاعة والنذر والذبح وغيرها وبتقسيم آخر توحيد القلب وتوحيد الجوارح أما توحيد القلب فيدخل فيه المحبة والخوف والرجاء والإخبات والتوكل والخشية وغيرها وأما توحيد الجوارح فيدخل فيه الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والحلف وغيرها.
قال تعالى في الدعاء (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) وقال في الاستعانة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وقال في الاستغاثة (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) وفي الخوف (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وفي التوكل (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وفي المحبة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)وفي الذبح (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وفي النذر (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا).
إن دعائنا الصالحين من الأنبياء وغيرهم ينافي ما جاء بالقرآن الكريم من الأمر بدعاء الله و حده دونما سواه قال تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال جل وعلا (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) تدبروا قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ) تجدونها عامة تشمل جميع من دعي من دون الله ولو كان نبيا أو وليا وتدبروا أيضا قوله عز وجل (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) فسمى الذين يدعون غيره كافرين وقال جل وعلا (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) تدبروا يا رعاكم الله كيف أن الله جل وعلا قطع جميع العلائق إلا به فنفى أولا أن غيره أيا كان يملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
أتدرون ما الذرة؟ إنها النملة الصغيرة الصفراء التي لا تكاد ترى ثم نفى أن يكونوا شركاء له ثم نفى أن يكونوا ساعدوه وختم جل وعلا ببيان أنه حتى الشفاعة لا تكون إلا بإذنه فالأولياء الصالحون لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا كيف يملكون لغيرهم وهم لا يملكون لأنفسهم وقد تقرر عند عامة العقلاء أن فاقد الشيء لا يعطيه وقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيد الخلق ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ) ولا أظن أن أحدا من المسلمين يجهل هذه الحقيقة ولنلقي نظرة فاحصة سريعة على حال أولياء الله جل وعلا مع ربهم سبحانه وتعالى فهذا نبي الله نوح يقول (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) وإبراهيم قال ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ويعقوب قال (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وموسى قال (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) وزكريا قال الله عنه (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا) وأيوب قال الله عنه (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وهكذا يونس ويوسف وعيسى ، وذكر الله جل وعلا سيدنا وسيدهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
ترى ماذا تقول أنت وماذا تقولين أنتي إذا مسكم الضر هل تقولون ( يا الله ) أو تقولون يا جيلاني يا بدوي يا علي يا مهدي
أخواني الأحباء .. ألسنا نقول دائما في صلاتنا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ترى هل نعي معنى هذه الكلمة الطيبة؟ شتان شتان بين من إذا أصابته الشدائد وادلهمت الأمور قال ( يا ألله ) وبين من يقول نادي عليا مظهر العجائب تجده عونا لك في النوائب شتان بين من يقول ( يا ألله ) أدركني وبين من يقول يا بدوي أدركني! إن المشركين على ما كانوا عليه من الكفر والضلال إذا ضاقت به الأمور قالوا يا الله ، قال الله جل وعلا عنهم (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) تدعونه تضرعا وخفيه هكذا كان يفعل المشركون.
إخواني أخواتي.. أتدعون ميتاً فمن الحي الذي لا يموت إنه الله، أنسيتم قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) فإن قال لكم قائل إنهم أحياء في قبورهم قلنا نعم ولكنها حياة خاصة إنها حياة البرزخ وهم مشغولون عنا بما هم فيه من النعيم.
أتدعون غائبا؟ فمن يعلم الغيب والشهادة أنه الله، أنسيتم قوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أعيروني سمعكم يا رعاكم الله: من أراد علي رضي الله عنه في زمنه سواء كان من أهل المدينة أو مكة أو الكوفة أو غيرها ترى ماذا كان يصنع؟ أيناديه وهو في بيته أم يسافر إليه ويطرق بابه! والآن نحن نرى الشيعة في شتى بقاع الأرض يقولون يا علي فهل يسمعهم جميعا على اختلاف أوقاتهم ولغاتهم ومطالبهم إن هذا لا يكون إلا لله فهذا عيسى صلوات الله وسلامه عليه يقول (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) أليس هكذا يقول علي وغيره من الأولياء وكنا شهود عليهم ما دمنا فيهم فلما توفيتنا كنت أنت الرقيب عليهم بلى والله إن الأمر كذلك، وبعد هذا كله نعود ونقرأ قول الله تبارك وتعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) وقوله (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) الله جل وعلا يقول لنا: أدعوني ، أدعوا ربكم ، يدعوننا ، إذ تستغيثون ربكم ، يخافون ربهم ، وعلى ربهم يتوكلون إقرأو القرآن إقرأو النور والهدى والفرقان ما أمر الله أبدا بدعاء غيره بل القرآن صريح كله في وجوب دعاء الله وحده لا شريك له.
ألا ترون أن من يقول يا بدوي يا جيلاني يا علي ويا مهدي ويا زينب ألا ترون أنهم اشتركوا في قضية واحدة ألا وهي أنهم جميعا دعوا غير الله.
بل إن المشركين عندما دعوا ودا وسواعا واللات و العزى وغيرها من دون الله تبارك وتعالى كانوا يعتقدون أنها تمثل أناس صالحين.
أنكم لا شك رأيتم وترون ما يصنع الناس عند قبور الأئمة من الدعاء والبكاء والخوف والرجاء ما يجعل العين تبكي لا دمعاً بل دماً على التوحيد . والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إعداد : خالد إبراهيم المنصوري